بسم الله الرحْمن الرحيم
الْحمد
لله الواحد فِي ذاته وصفاته الذي بعث سيدنا مُحمدا للخلق بالتوحيد بباهر آياته ،
والصلاة والسلام على عروس الرسل وسيد كل من لك عليه سيادة وعلى أله وصحبه
والتابعين لَهم فى الْحسنى وزيادة . (وبعد) فيقول كثير الْمساوي الفقير برحْمة ربه
أحْمد النحراوي : لَما كان يَجب على كل مكلف الْجزم بعقائد التوحيد وكان الإيْمان
متوقعا على الْجزم بذلك فمن لَم يَجزم بذلك فهو كافر والعياذ بالله تعالى وكان من
العوام من لا يتقن تلك العقائد جَمعتها فِي ورقات لطيفة على وجه سهل إن شاء الله
تعالى وسَميتها (الدر الفريد فِي عقائد أهل التوحيد) فقلت وبالله التوفيق : يَجب
شرعا على كل مكلف أي بالغ عاقل قد بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَجزم
بكل ما يَجب لله تعالى وما يستحيل وما يَجوز فِي حقه تعالى وكذا يَجب عليه أن يَجزم
بـما يَجب وما يستحيل وما يَجوز فِي حق الرسل عليهم الصلاة والسلام . ولَما كان كا
من الواجب والْمستحيل والْجائز متوقعا على التعريف لأن الْحكم بالشيء أو عليه فرع
عن تصوره فلا يُحكم على الشيء بأنه واجب أو مستحيل أو جائز حتى تعرف معناه ، بدأت
بتعريفها فقلت فالواجب هو الذي لا يُمكن عدمه وذلك كالتحيز للجرم وكذاته تعالى
وصفاته فإن كلا منهما لا يُمكن عدمه (4) والْمستحيل هو الذي لا يُمكن وجوده كعدم
التحيز للجرم وكالشريك له تعالى الله عنه علوا كبيرا . والْجائز هو الذي يُمكن
وجوده وعدمه وذلك كبعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام وإثابة الْمطيع وكولد لزيد . فمما
يَجب لله تعالى عشرون صفة واجبة أي لا تقبل الانتفاء ، ومِما يستحيل عليه عشرون
صفة مستحيلة أي لا تقبل الثبوت فتلك أربعون عقيدة ويضم لذلك الْجائز فيكون الْجميع
احدى وأربعين عقيدة . ويَجب للرسل عليهم الصلاة والسلام أربع صفات واجبة أي لا
تقبل الانتفاء ، ويستحيل فِي حقهم عليهم الصلاة والسلام أربع هي ضد الأربع الواجبة
ويضم لذلك الْجائز فالْجميع تسع صفات فِي حق الرسل عليهم الصلاة والسلام تضم
للاحدى والأربعين التِي فِي حقه تعالى فيكون الْجميع خَمسين عقيدة يَجب على كل
مكلف أن يَجزم بها * فالأولى من الصفات الواجبة تعالى الوجود ، وقد اختلف فيه فقيل
هو غير الْموجود (5) فعلى هذا فهو حال أي واسطة بين الوجود والعدم وقيل عين
الْموجود بـمعنى أنه ليس زائدا على ذات الْموجود بـحيث يكون له تَحقق فى الْخارج
كالذات بـحيث لو كشف عنا الْحجاب نراه كصفات الْمعاني وإنّما هو أمر اعتباري يتعقل
فى الذهن زيادة على تعقل الذات وليس الْمراد بكونه عين الْموجود كونه عينا حقيقة
بل الْمراد أنه لا يلاحظ فى الْخارج زيادة على ملاحظة الذات بل يلاحظ فى الذهن فقط
فهو صفة له تعالى حقيقة بدليل أن علماء التوحيد أقاموا عليه الدليل ولو كان عين
الذات لَم يقيموا عليه دليلا وهل يَجب على الْمكلف الْجزم بأن الْموجود عين الذات
أو غيرها أو لا يَجب الْجواب أنه لا يَجب وإنّما الواجب عليه الْجزم بأن وجوده
تعالى واجب لا يقبل الانتفاء ووجوده تعالى من غير مادة ومن غير واسطة بـمعنى أنه
لم يؤثر أحد فِي وجوده تعالى بل وجوده لذاته بـمعنى أنه لَم يفتقر إلى من يوجده
وذاته اقتضت وجوده بـمعنى أنه لَم يوجد هو نفسه ثم إن وجوده تعالى قد شهد به كل
موجود (6) فلا تنكره إلا من طمس الله على بصيرته كالدهرية وهم فرقة ينكرون وجود
الصانع ويقولون إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر أي الزمن
فينسبون الإهلاك للدهر فلذا سُموا الدهرية فويل لَهم من العذاب الشديد . والدليل
على وجود الله تعالى حدوث العالَم أي وجوده بعد عدم وتركيب الدليل أن تقول العالَم
حادث وكل حادث له صانع تُخرج النتيجة العالَم له صانع هذا هو الدليل العقلي وأما
كون الصانع هو الله تعالى وحده لا شريك له فليس مستفادا من الدليل بل من الرسل
عليهم الصلاة والسلام فتنبه لِهذه الْمسألة ، وإنّما كان حدوث العالَم دليلا على
وجوده تعالى لأن العالَم قبل وجوده كان مُمكنا أي وجوده وعدمه على حد سواء فوجوده
مساو لعدمه وعدمه مساو لوجوده فلما وجد وزال عنه العدم علمنا أنه ترجح وجوده على
عدمه وقد كان هذا الوجود مساويا لعدمه ولا يصلح أن يترجح على العدم بنفسه فتعين أن
له مرجحا وهو الذي أوجده وهو الله تبارك وتعالى . فإن قيل ما الدليل على حدوث
العالَم فالْجواب أن العالَم أجرام وأعراض وتلك الأعراض كالْحركة والسكون حادثة أي
موجودة بعد عدم يدليل أنك تشاهدها متغيرة من وجود إلى عدم ومن عدم إلى وجود فالْجسم
تارة يكون متحركا وتارة يكون ساكنا فالْجركة متغيرة بالسكون والسكون متغير بالْحركة
، فيعلم من هذا أن الأعراض حادثة والأجرام التِي ترادف الأجسام ملازمة لتلك
الأعراض لأن الجسم لا يَخلو عن الْحركة والسكون وكل ملازم الْحادث فهو حادث
فالأجرام حادثة أي موجودة بعد عدم كالأعراض . وحاصل هذا الدليل أن تقول الأجرام
ملازمة للأعراض الْحادثة وكل ما لازم الْحادث فهو حادث ينتج لنا أن الأجرام حادثة
وحدوث الأجرام (8) والأعراض دليل على وجوده تعالى لأن كل حادث لا بد له من مُحدث
ولا مُحدث إلا الله وحده فثبت وجوده تعالى وإذا ثبت له الوجود استحال عليه العدم
الذي هو ضد الوجود (9) # الصفة الثانية الواجبة له تعالى القدم ومعناه عدم الأولية للوجود
أي أن وجود الله تعالى لا أول له أي لَم يسبقه عدم بـخلاف الْحوادث فإن وجودها له
أول وهو خلق النطفة التِي خلقوا منها فقد سبقهم العدم . والدليل على قدمه تعالى
أنه إذا لَم يكن قديْما لكان حادثا لأنه لا واسطة بين القديم والْحادث فكل شيء
انتفى عنه القدم ثبت له الْحدوث وإذا كان تعالى حادثا افتقر إلى مُحدث يُحدثه
وافتقر مُحدثه إلى مُحدث فإن لَم ينته الأمر لزم التسلسل ، وهو تتابع الأشياء
واحدا بعد واحد إلى ما لا نهاية له وإن انتهى الأمر بأن كان الْمحدث الذي أحدث
الله تعالى أحدثه الله لزم الدور وهو توقف شيء على شيء آخر عليه (11) فإنه إذا كان
الله تعالى محدث كان متوقفا على هذا المحدث وقد فرضنا أن الله أحدث هذا المحدث
فيكون هذا المحدث متوقفا على الله تعالى فيلزم الدور وكل من التسلسل والدور محال
أي لا يمكن وجوده والذي أدى إلى المحال وهو حدوثه تعالى محال . وحاصل الدليل أن
تقول لو كان الله غير قديم لكان حادثا ولو كان حادثا لافتقر إلى محدث فيلزم الدور
أو التسلسل وكل منهما محال فما أدى إليه وهو حدوثه تعالى مُحال فثبت قدمه وهو
الْمطلوب وإذا ثبت قدمه استحال عليه الْحدوث الذي هو ضد القدم . & الصفة الثالثة الواجبة
له تعالى البقاء ومعناه عدم الآخرية للوجود فمعنى كون الله تعالى باقيا أنه لا آخر
لوجوده أي لا يطرأ عليه العدم والدليل على بقائه تعالى أنه لو جاز أن يلحقه العدم
لكان حادثا ووجهه أن الشيء الذي يطرأ عليه العدم ينتفي عنه القدم لأن كل ما يطرأ
عليه العدم يكون وجوده جائزا وكل من كان وجوده جائزا يكون حادثا وكل حادث ينتفي
عنه القدم وقد تقدم ثبوت القدم له تعالى بالدليل . وحاصل الدليل أن تقول (12) إذا
لم يَجب له البقاء بأن كان يَجوز عليه العدم لانتفى عنه القدم والقدم لا يصح
انتفاؤه عنه تعالى للدليل الْمتقدم فثبت له البقاء وإذا ثبت له البقاء استحال عليه
طرو العدم أي الفناء الذي هو ضد البقاء & الصفةالرابعة الواجبة له
تعالى الْمخالفة للحوادث أي الْمخلوقات أي لا يُماثله شيء من الْمخلوقات لا فِي
ذاته ولا فِي صفاته ولا فِي أفعاله أي أن ذات الله عز وجل ليست جرما كذات
الْمخلوقات وصفاته تعالى ليست كصفات الْمخلوقات حادثة مَخصوصة وأفعاله ليست كأفعال
الْمخلوقات مكتسبة ((ليس كمثله شيء)) أي ليس مثل ذاته
وصفاته شيء (13) والدليل على وجوب مُخالفته تعالى للحوادث أنه لو ماثل شيئا منها
فى الذات والصفات والأفعال لكان حادثا مثلها لأن ما جاز على أحد الْمثلين جاز على
الآخر ويلزم الدور أو التسلسل وكلاهما مُحال لأنه تعالى قد وجب له القدم وإذا وجب
له القدم انتفى عنه الْحدوث حصل الْمطلوب وهو مُخالفته تعالى للحوادث وإذا ثبت له
الْمخالفة للحوادث استحال عليه الْمماثلة لَها التِي هي ضد الْمخالفة للحوادث (14)
& الصفة الْخامسة الواجبة
له تعالى القيام بالنفس أي الذات ومعناه أن ذات الله تعالى غنية عن مَحل أي ذات
تقوم بها وغنية أيضا عن مُخصص أي موجد لأنه تعالى الْموجد للأشياء . والدليل على
أنه تعالى قائم بنفسه أن تقول لو كان تعالى مُحتاجا إلى مَحل أي ذات يقوم بها كما
افتقر البياض للذات التِي يقوم بها لكان صفة كما أن البياض الذي افتقر إلى الذات
صفة والله تعالى لا يصح أن يكون صفة لأنه تعالى متصف بالصفات والصفة لا تتصف
بالصفات فليس الله صفة (15) ولو افتقر إلى مُخصص أي موجد يوجده لكان حادثا ويفتقر
إلى مُحدث ويلزم الدور أو التسلسل وكل منهما مُحال لِما تقدم من وجوب القدم له
تعالى فثبت الْمطلوب وهو قيامه تعالى بنفسه وإذا ثبت له القيام بالنفس استحال عليه
الافتقار إلى الْمحل والْمخصص الذي هو ضد القيام بالنفس & الصفة السادسة الواجبة له تعالى الوحدانية ومعناها أن الله سبحانه
وتعالى واحد فى الذات والصفات والأفعال ومعنى كون الله واحدا فى الذات أنه ليس
هناك ذات تشبه ذاته تعالى وليست ذاته مركبة من الأجزاء لأن التركيب من صفات
الْحوادث والله تعالى منزه عن الاتصاف بصفات الْحوادث ومعنى كونه تعالى واحدا فى
الصفات أنه ليس هناك أحد له صفات تشبه صفاته تعالى فليس لأحد قدرة كقدرته تعالى
ولا إرادة كإرادته تعالى إلى آخر الصفات (16) – ولو لَم يكن له تعالى صفتان
متفقتان فى الاسم والْمعنى كقدرتين وإرادتين وعلمين بل قدرة واحدة وإرادة واحدة
وعلم كذلك ومعنى كونه تعالى واحدا فى الأفعال أن جَميع الأفعال له عز وجل فليس
لأحد من الْمخلوقات فعل من الأفعال سواء كانت اختيارية أو اضطرارية وإنّما له فى
الفعل الاختياري مُجرد الكسب وبه يثيبنا الله بفضله ويعاقبنا بعدله فجميع الأفعال
له تعالى فالْمعجزات التِي تقع على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام والكرامات التِي
تَجري على أيدي الأولياء مَخلوقات له سبحانه وتعالى (17) وإذا ثبتت له تعالى
الوحدانية انتفت عنه الكموم الْخمسة الْمشهورة وهي الكم الْمنفصل فى الذات والكم
الْمتصل فيها والكم الْمنفصل فى الصفات والْمتصل فيها والكم الْمنفصل فى الأفعال ،
فالكم الْمنفصل فى الذات الْمنفي عنه تعالى معناه أن لا توجد ذات فى الوجود تشبه
ذاته تعالى فوجود ذات تشبه ذاته تعالى يقال له الكم الْمنفصل فى الذات وهو منتف
عنه تعالى والكم الْمنفصل فى الذات الْمنفي عنه تعالى معناه أن تكون ذاته تعالى
مركبة من أجزاء كتركيب ذواتنا من لَحم وعظم ودم وغير ذلك وهو منتف عنه تعالى أيضا
لأنه من صفات الْحوادث والكم الْمنفصل فى الصفات الْمنفي عنه تعالى معناه أن يوجد
أحد له صفات وكصفات مولانا عز وجل وهو منتف عنه تعالى أيضا والكم الْمتصل فى
الصفات الْمنفي عنه تعالى معناه أن يكون له تعالى صفتان متفقتان فى الاسم والْمعنى
فليست قدرته متعددة ولا إرادته كذلك ولا علمه فقدرته التِي يوجد بها الصغير هي التِي
يوجد بها الكبير وإرادته التِي يريد بها الكبير وعلمه الذي يعلم به الكثير هو الذي
يعلم به القليل والكم الْمنفصل فى الأفعال الْمنفي عنه تعالى معناه أن يكون لأحد
من الْمخلوقات فعل وهذا منتف أيضا فجميع الأفعال مَخلوقة له تعالى والله خالق كل
شيء والله خلقكم وما تعملون (18) قال بعضهم ولا يتصور فى الأفعال كم متصل وليس كما
قال بل يتصور فيها الكم الْمتصل ومعناه أن يكون لله تعالى شريك معاون في فعل من
الأفعال فهذا منتف عنه تعالى أيضا والله يتولى هداك . واعلم أن الكم هو العدد
والْمنفي ما حصل به الكم وهو نفس الشريك (19) وليس الْمنفي العدد لاقضائه نفي ذاته
تعالى فنفي الكم الْمنفصل فى الذات هو نفي الشريك له والشريك هو الذي حصل به الكم
وهكذا والدليل على ثبوت الواحدانية له تعالى وجود العالَم وتركيبه أن تقول لو كان
الله تعالى شريك فى الألُوهية لأدى إلى الفساد كما قال تعالى ((لو كان
فيهما آلِهة إلا الله لفسدتا)) أي السموات والأرض ومعنى فسادهما
خروجهما عن الْهيئة والشكل الذي وجدا عليه (20) لكنهما لَم تفسدا فلم يكن معه شريك
فى الألوهية فثبت له الوحدانية وإذا ثبت له الواحدانية استحال له التعدد الذي هو
ضد الوحدانية # الصفة السابعة الواجبة
له تعالى القدرة وهي صفة قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيْجاد كل مُمكن وإعدامه
(21)